الاثنين، 12 سبتمبر 2011

نظرة سريعة على سيناريو مبادرة الجامعة - د. ناصر السخني

    لا أريدُ الخوضَ العميق بالتفاصيل حتى لا أطيل بلا فائدة أو أُتَّهمُ – كما اتهمتُ مؤخّراً – بالتضليل؛ فمعظم خلفياتِ الأحداث صارتْ تُترك لذهنِ النَّاس وصار يفهمها الكبير والصغير دون حاجةٍ لعناءٍ وطولِ تفكير...






سيناريو المبادرة :

    تعرضت الجامعة العربية التي تضم 22 دولة لضغوط كبيرة للتعبير عن موقفها علانية, وبعدَ قرابةِ نصفِ سنةٍ من الصمتِ العربي المطبقِ على التنكيلِ والتجاوزاتِ والقتلِ والانتهاكاتِ من عصبةِ النظام السوري على شعبهِ المسالمِ الثائر: نطقتْ الحكوماتُ العربيةِ في اجتماعِ الجامعة العربية قبل أسبوعين – والثوارُ يعدّون الشهورَ ساعةً ساعة ويوماً يوماً وجمعةً جمعة– وقررتْ الجامعةُ تكليف الأمين العام بزيارة دمشق حاملاً مبادرةً عربية لتسوية الأزمةِ والمطالبة بإجراء إصلاحاتٍ سياسية واقتصادية في سوريا. وهي ما قد تكون آخر فرصةٍ للنظام, وآخر حبل نجاة يمدُّ له.

بنود المبادرة:

   تضمنتْ المبادرةُ العربية التي عرضها الأمينُ العام للجامعة العربية علي الرئيس السوري 13 بنداً  أوجزها بتصرّفٍ بسيط:  " إجراء انتخابات رئاسية تعددية مفتوحة العام 2014م، موعد نهاية الولاية الحالية للرئيس...." , " إعلان مبادئ واضحة ومحددة من قبل الرئيس يحدد فيه ما تضمنته خطاباته من خطوات إصلاحية..... " , " الوقف الفوري لأعمال العنف ضد المدنيين وسحب المظاهر العسكرية....." , " فصل الجيش عن الحياة السياسية والمدنية...." , " إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين.... " , " تعويض المتضررين وجبر الضرر الذي لحق بالمواطنين.... " , " بدء الاتصالات السياسية الجدية ما بين الرئيس وممثلي قوى المعارضة للتحول إلى نظام ديمقراطي تعددي بديل....... " , " يكون الحوار .. وفق ثوابت الوحدة الوطنية: لا للعنف، لا للطائفية، لا للتدخل الأجنبي.....". " أن يعقد حزب البعث مؤتمرا قطرياً استثنائياً يقرر فيه قبوله الانتقال إلى نظام ديمقراطي تعددي يقوم على صندوق الاقتراع......", " أن تلعب جامعة الدول العربية بدعوة من الرئيس دوراً للحوار ومحفزاً له وفق آلية يتم التوافق عليها.....", " تشكيل حكومة وحدة وطنية ائتلافية برئيس حكومة مقبول من قوي المعارضة ومهمتها إجراء انتخابات نيابية شفافة تعددية يشرف عليها القضاء السوري ومفتوحة لمراقبين للانتخابات وتنجز مهامها قبل نهاية العام.....", " يُكلّف رئيس الكتلة النيابية الأكثر عدداً بتشكيل حكومة تمارس صلاحيتها الكاملة بموجب القانون وتكون مهمة المجلس النيابي المنتخب أن يعلن عن نفسه جمعية تأسيسية لإعداد وإقرار دستور ديمقراطي جديد يطرح للاستفتاء العام.....", " اتفاق على برنامج زمني محدد لتنفيذ هذه المبادرة وتشكيل آلية متابعة بما في ذلك وجود فريق عربي لمتابعة التنفيذ في سوريا...".

    وكما هو واضح أنَّ المبادرة لم تكن موافقة للإرادة الشعبية التي لا حدَّ لها إلا إسقاط النظام, ولا متوافقة مع التوجّهات الدولية التي طالبت الرئيس فاقد الشرعية بالإصلاحات الجادة السريعة أو الرحيل, بل هي فرصة لإنقاذ النظام.....بمعنى أنَّ الجامعة  تحركت لمصلحة النظام, وليس لإنقاذ الشعب، ومع ذلك واجه النظام هذا التحرك العربي الخجول بالرفض. ثم أنَّ سوريا طلبت مساء الثلاثاء تأجيل الزيارة التي كانت مقررة الأربعاء, والتي كان انتظر أسبوعاً للحصول على الموافقة عليها , وما ذلك إلا  تعبيراً عن الاستياء من التدخل الخارجي في الشأن الداخلي السوري, واستخفافاً بالمبادرة وازدراءً للجامعة واستعلاءً على أمينها العام؛ نعم فالنظام السوري ضدّ كل أشكال التدخلات في الشؤون الداخلية لأي دولة؛ والدليل أنهُ لم يتدخل سابقاً بلبنان أبداً!!! ولم يتدخل مؤخراً بليبيا!!!!

   إنَّ النظام الذي لا يريد الإصلاح, وإن أراده فلن يقدر عليه كيف ستجدي معه مبادرة هزيلة؟! وهو الذي استطاع أنْ يمحو أوروبا – كما أخبرنا – وأنْ ينسى أمريكيا – كما ظهر لنا – ويهمل الجارة الأسيوأوروبية  تركيا – كما بدا لنا -  هل سيعجز عن بقية العالم؟! لا لن يعجز؛ وزبانيتهُ يوحدونهُ, ويسبِّحونَ بحمدهِ, ويسجدون له, ويقبلون بتغيير الله ولا يقبلون بتغيير بشار!!! 

   على كلٍّ هذا يؤكد للجميع – خارج سوريا - أن الإصلاحات الموعودة بالخطابات الرئاسية ما هي إلا كلمات استهلاكيّة وزور سياسي للإعلام الخارجي فقط ليغطّي فظائع جرائمهِ ويكسب الوقت, وأنَّه لا فارق يذكر بين التواطؤ الإيراني للمحافظة على النظام, وبين التباطؤ العربي الذي يؤدي إلى إطالة عمرهِ وإعطائه الفرصة كي يزداد بطشاً وعتوَّاً!! من حيث النتيجة؛ لذلك رأى البعض أنَّ الثوراتِ العربية التي نجحتْ لأنَّ الدول العربية لم تتدخل في شؤونها, وأن الثورة اليمنية تواجهُ العثرات بسبب التدخّل العربي.

ما أكثر الفضائح التي أظهرتها الأزمة السورية, وعلى رأسها أنها كشفت عورة النظام الذي يدَّعي المقاومة والممانعة وما هو إلا ابن مدلل للجميع؛ فكلما أوغل بسفك الدماء كلما أعطي فرصاً أكبر للبقاء. وفضيحة إخفاق الأمم المتحدة في الاتفاق على قرار تعلّلاً بروسيا والصين. وفضائح إيران, وحزب الله, والمغامرة التركية...  وأخيراً وليس آخراً التحرك العربي الذي يضاف إلى قائمة الفشل.

لكم ربّ السماء, يا شعب التضحية والإباء, واللهِ ستنتصرون... أبى من أبى, وشاء من شاء.
11/9/2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق