الجمعة، 9 سبتمبر 2011

هل سَيَسْقطُ نِظامُ الأسْدِ اقتصادياً ؟! - د. ناصر السخني

مقدمة موجزة:  

    إنَّ الاقتصادَ السوري اقتصادٌ متنوّعٌ، يعتمدُ على الصناعةِ والنفطِ والزراعةِ والسياحةِ.... فالصناعةُ والنفطُ يشكّلانِ ثلثَ الناتجِ المحلي الإجمالي تقريباً, علماً أنَّ الاحتياطيَّ النفطي مُهَددٌ بالنُّضوب؛ وثلاثة أرباعهِ يُستهلكُ محلياً والربع الأخير يُصدّر أغلبهُ إلى أوروبا. والزراعةُ تشكّلُ حوالي ثلث الناتج المحلي الإجمالي أيضاً, ولكنَّها تُعاني من الجفافِ. أما السياحة فهي تشكل 12% من الناتج المحلي الإجمالي, وهي رافد رئيس للنقد الأجنبي.








     لقد انتهجَ النظامُ السوري سابقاً سياسةَ العزلةِ الاقتصادية, وحين أراد البدءَ بالانفتاحِ - التحوّل من الاقتصادِ الاشتراكي إلى اقتصادِ السوقِ الحرة - كان الفسادُ الماليُّ والإداريُّ سمتَهُ التي ظهرت للعلن لهيمنةِ أفرادٍ عليهِ أمثال : رامي مخلوف الذي يُسيطرُ على أغلب القطاعاتِ الحيويّةِ كالنَّقلِ والاتصالاتِ وغيرها, ولم تُفلح الإصلاحات السريعة التي اتخذتها الحكومة كتخفيضِ أسعارِ الوقودِ, وزيادة رواتبِ العاملين في القطاع الحكومي.



الوضع الراهن – ومنذ بدء الثورة -  :

     لقد بدأت المعاناة الحقيقية للاقتصاد السوري منذ ستة أشهر تقريباً, وفي الأشهر الثلاثة الأولى من الثورة كاد أن ينهار قطاع التجارة الخاص, وعلى الرغم من تحركهِ بعد ذلك إلا أنّهُ لم يصلْ إلى نصف نسبتهِ من العامِ الماضي, وها هو عائدٌ للتراجعِ من جديد.

   وانخفضتْ التجارةُ لنسبةٍ تصلُ إلى 75% بعد فرضِ الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي العقوبات الاقتصادية: كمنعِ استيراد النفطِ ومشتقاته, وتجميد أصولِ وأملاكِ الدولة, وقد أقرَّ وزيرُ المالِ السوريقبل أيام في أبو ظبي أثناء اجتماع  وزراء المال العرب -  بأنَّ عقوباتِ الاتحاد الأوروبي ستؤثر على الاقتصاد, ولكنهُ قللَّ من شأنها, علماً أنَّ معظم الصادرات تذهبُ إلى أوروبا, وأنَّ 95% من النفط يُصدّر إلى فرنسا وألمانيا وإيطاليا وغيرها من الدول الأوروبية, أي بما يشكّل ثلث العائدات تقريباً. هذا ولا يخفى على أحدٍ أن وزير الخارجية السوري محا أوروبا عن الخارطة قبل أشهر؛ فإن وجدتْ الحكومةُ السورية من تصدّر إليها نفطها فستكون دولة آسيوية :كالصين أو روسيا أو ربما الهند, ولكن بأيِّ ثمنٍ سيُصدّر في ظلِّ هذا الوضع. وللعلم: الولايات المتحدة الأميركية لا تستورد النفط السوري أصلاً.

   والصادراتُ السورية بلغتْ في العام الماضي 11 مليار دولار, ولكنها لم تصل إلى ثلثِ ذلك خلال النصفِ الأول من هذا العام. وانخفضتْ الواردات انخفاضاً حاداً يزيد عن 75% , ولولا أنَّ سوريا صدّرتْ واستوردتْ في الأشهرِ الأولى من هذا العام - أي قبل بدء الاحتجاجات - لكانتْ النسبُ أكثرَ انخفاضاً.

    وعدم الاستقرارِ الاقتصادي الذي أثر على التجارة بشكلٍ واضحٍ سوف يُحفِّزُ تجارَ دمشق وحلب وغيرهم من القطاعات للانضمامِ إلى الشعب وثورته, فقد أصبحوا غير آمنين على مصالحهم الاقتصادية. وسيتركون النظام يصارعُ وحدَهُ وينفضوا عنهُ. وربما أن التجارة الوحيدة التي لوحظ ازدهارها في هذه الآونة هي تجارة مواد البناء؛ وارتفعتْ أسعارها نظراً لزيادة عمليات البناء العشوائي ( غير المرخص ) - الذي وصل حسب الأقاويل إلى حوالي نصف مليون بناء منذ بدء المظاهرات- وذلك لانشغال الأمن عن متابعتهِ بقمع الثوار المتظاهرين.

    وتراجع سوق دمشق للأوراق المالية - حديث العهد والذي يعمل أربعة أيامٍ في الأسبوع وتتداولُ فيها عشرون شركة فقط أغلبها من المصارف وشركات التأمين - تراجع بنسبةٍ أكثر من 50% , والاستهلاك الذي هو محرك النمو يؤول إلى العدم حيث تخلو المتاجر من الزبائن, فالناس لا يشترونَ إلا الأساسيات الضرورية في ظلِّ هذا الوضع الراهن.
   وتسربتْ العملاتُ الأجنبية من المصرفِ المركزي بنسبةٍ كبيرة جداً, لم أستطع تقديرها إلا أنها بالمليارات, ولا شكَّ أنَّ المودعين السوريين قلقون من الإيداع في القطاع المصرفي - حديث الولادة - ويفضلون الإيداع في البنوك المعروفة في لبنان أو غيرها من الدول المجاورة. وهذا ما يستنفد الاحتياطي من العملات الأجنبية الذي كان - قبل شهورٍ -  17 مليار دولار حسب تصريح محافظ المصرف المركزي السوري, وهو لا يمكّنُ النظام من الصمود لأكثر من شهورٍ معدودةٍ, وسيجبر الحكومة على سحبِ الاحتياطي – إن لم تسحبهُ بعد – حيث نقلت بعض المصادر أنهُ تمَّ سحب أموالٍ من المصرفِ المركزي إلى جهاز أمن الدولة, وهو من يتولّى أعمال الصرف إلى مختلف الوزارات بدلا من المصرف المركزي.

   وينخفض النمو أكثر من 3% خلال العام الحالي, كما يتوقع معهد المالية الدولي في تقريرٍ صدر عنه قبل أشهر؛ حتى ولو اعتبر وزير المال السوري – قبل أيام - إن نسبة النمو تراجعت وأنها ستستقر ما بين 1% و 2%. وما يزال يتغنَّى بالعام الماضي الذي بلغت نسبة النمو فيه 5.5% ، بل وتوقع ارتفاعاً بنسبة 3% لإجمالي الناتج المحلي العام المقبل.

   والمشاريع الاستثمارية الأجنبية المعول عليها في زيادة النمو الاقتصادي تراجعتْ لأكثر من 70% , وبعضها توقف نهائياً, منها ثلاثة مشاريع استثمارية كبرى لقطر والإمارات العربية المتحدة, وضربَ التعنّتُ الأمني المفرط بالقمع والقتل كلَّ الجهودِ التي بُذلتْ لجذبِ رؤوسِ الأموالِ دعماً للاقتصاد. ولن يعود المستثمرون إلا إذا خرجت سوريا من هذه الأزمة بالمؤسسات المدنية التي يحكمها القانون.

   وربما يعتمد النظام الحاكم الآن على أنَّ ما يقارب 44% من موازنة الدولة هو للاستثمارات، وهي ما يمكن الاستغناء عنها حالياً واستخدام أموالها في دفع النفقات المطلوبة كرواتب الجيش والموظفين – علماً أنَّ بعض الموظفين لم يعودوا يتقاضون أجورهم – ثم لدعم مليشيات النظام المرتزقة الذين يعملون لها ( الشبيحة ), ولكن إلى متى؟! وكما قلتُ في مقالةٍ سابقةٍ - أغيثوا الشعب السوري الأعزل أنقذوه - : " واعلموا جميعاً أنَّ شبّيحة النظام سيُرهقهم عتوّهم وسيرهقونَ النظامَ بأجورهم أولاً بأوّل, وأنَّ أصحاب الرشاوى والمذبذبين سيهربون إلى الجحور قريباً , فهؤلاء كلهم لا أهداف حقيقية لهم, ولا أسباب شريفة تبقيهم على ما هم عليه."

    وفيما حذّر الرئيس السوري من أن الاقتصاد على شفيرِ الانهيار, يقول وزير الاقتصاد والتجارة السوري: أن المواطنين يقومون بأعمالهم والمعامل مفتوحة، ونحن لا ننكر حدوث تراجع، ولكن هذا التراجع لا يتعلق بما نمر به فحسب، بل هناك الأزمة الاقتصادية العالمية التي جاءت قبل هذه الأحداث.

   وفقدت الليرة السورية حتى الآن أكثر من 20% من قيمتها مقابل الدولار, وهي ما تزال تقاوم, وإيران خصّصت ستة مليارات دولار لدعم سوريا اقتصادياً ودعم الليرة, ورامي مخلوف أودع مليار دولار في المصرف  المركزي السوري لدعم الليرة؛ ولكن أنَّ كان قطاع الخدمات يمثل 45% من الناتج الداخلي الإجمالي, فإنَّ عدم دفع فواتير الكهرباء والماء والاتصالات وأقساط القروض و.... في ظِلِّ الأحداث الجارية سينهك النظام الذي سيضطر لرفع الدعم عن المواد الاستهلاكية, وسترتفع الأسعار وستتراجع فرص العمل في القطاع الخاص؛ والذي سيزيد من حِدَّةِ الثورة. وكما قلتُ في مقالةٍ سابقةٍ – من لا يعتبر يندثر - : " المراهنة من قِبل النظام السوري على الدعم الإيراني الصفوي لهُ سيبوء في النهاية بالفشل ، وكما راهنت الأنظمة التي سقطت على حلفائها – وما أكثرهم – ولكنهم لم يستطيعوا عمل شيءٍ أمام السيل العارم للشعب القادم ..... وماذا ستفعل إيران أمام تجميد الأرصدة ، والحظر النفطي ، والحصار الاقتصادي.... وإلى متى؟! والعبرة في النهاية : كُلٌّ سيقول اللهمَّ نفسي."
    ومعلومٌ أنَّ المصرف المركزي السوري رفع أسعار الفائدة على ودائع البنوك دعماً لليرة, ولكن إنْ صحَّ أنَّ الحكومة تطبع الليرة السورية فلن تستمر الليرة السورية بالمقاومة في خضم هذهِ الأحوال, وسيكون التضخم هو النتيجة الأخيرة.

   والتراجع الحاد في قطاع السياحة لأكثر من 70% وهو القطاع الذي كانت عائداته في العام الماضي 6.5 مليارات دولار وهو يشكل 12% من إجمالي الناتج المحلي, ورافدا رئيساً لورود العملات الأجنبية، والذي تعمل فيه ما نسبتهُ 11 % من اليد العاملة في سورية, ومعدل البطالة مرتفع قبل ذلك أصلاً حيث يتراوح بين 8% - 20% والاختلاف في النسبةِ يعود إلى التباين بين النسبةِ الرسمية وما على أرض الواقع, هذا حتى وإن ادّعى وزير المال السوري أنَّ قطاع السياحة لم يتأثر كثيراً, بل وأكّدَ أن السياحة الداخلية لا زالت تعمل. فماذا يقول عن إلغاء وكالات السفر الأجنبية برامجها السياحية إلى سوريا، وإلغاء الحجوزات لغرف الفنادق التي كانت محجوزة دائماً بمئات الدولارات لتصبح الآن شاغرة, وماذا يقول عن التخفيضات في الفنادق التي مهما بلغت فهي لم تثمر, وعن تسريح العاملين في الفنادق الذي لم يُجدِ نفعاً بسبب حالة عدم الأمن والاستقرار, خاصة بعدما طلبت معظم السفارات من رعاياها مغادرة سوريا.
    أما الزراعة فهي أصلاً تعاني من موجات الجفافِ, وتحرير أسعار مستلزمات الإنتاج الزراعي, ورفع أسعار الأسمدة, وسوء إدارةِ المواردِ المائيّة... والآن تضررت المحاصيل الزراعية في العديد من الأماكن، نتيجة الاضطرابات والحصار وإتلاف المحاصيل.

      وقد اطلعتُ على آراء بعض الخبراء الاقتصاديين الذين يعتقدون أن الاقتصادَ لن يؤدي إلى إسقاط النظام، وإن حدث ذلك فإنه سيستغرق وقتا طويلا, فحسب رأيهم أن الأنظمة تستطيع التكيف مع المقاطعة والاستمرار بسبب قدرتها على تهريب المواد والأموال.... ولكني أقول: اعتماداً على المعطيات السابقة, وعلى فشل النظام بالحلِّ الأمني, وعدم قدرتهِ على معالجة الأوضاع, وعدم التراجع السياسي لقلةِ البدائل المتوافرة لنظام الأسد, واستمرار الثورة بل وازدياد شعلتها وتأخر سقوط النظام؛ أقولُ - اعتماداً على كلِّ ذلك وغيرهِ - : إنَّ سقوطَ النظامِ سيحدثُ قبل انتهاءِ عامين من الثورة كنتيجةٍ حتميَّةٍ إن بقيَ الانهيار الاقتصادي الذي قد يصل إلى الركود. وأنَّ سقوطهُ سيبدو واضحاً مع نهاية هذا الشهر, وإن كنت أتمنى أن يسقط النظام دون وصول الاقتصاد إلى وحل القاع؛ فإنَّ ذلك يعود بالضرر على الشعب، خاصة الفقراء، وليس على الأنظمة فحسب.
   ولا شكَّ أنَّ الاقتصاد يشكّلُ فارقاً في موازين القوى السياسية في سوريا, ورغم تأييدي للعقوبات التي تضيّق الخناق على النظام إلا أنهُ لا بدَّ من إيجاد السُّبل الأسرع لحقن الدماء وإيقاف الدمار..... فلا بدَّ مع العقوبات الاقتصادية أن تكون هنالك آليات أخرى كالضغط على النظام للتدخل الإنساني وحماية المدنيين وإيصال المساعدات للمواطنين للخروج بأقل الخسائر, وكذلك الضغط لدخول الصحافة, والاهتمام الدولي للحظرِ الحقيقي على بيع الأسلحة لهذا النظام, بل والحظر الجويّ... دون تدخلٍ عسكريٍّ غربيٍّ على الأراضي السورية – فهذا مرفوضٌ قطعاً - ولا بدَّ من التدخل الإسلامي والعربي حتى ولو عسكرياً لوضع حدٍّ لنظامٍ عجز عن الإصلاح فاحترف القمع والتعذيب والتنكيل والقتل, ولإعانةِ هذا الشعب المجاهد كي يحقق أهداف ثورتهِ ومبادئها.
 6/9/2011


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق